ولد الشاعر والكاتب المسرحي وليم شكسبير في نيسان عام ،1564 في مدينة (سترانفورد أون أفون) في إنكلترا، وكان والده تاجرا ناجحاً اسمه جون شكسبير. وقد تلقى تعليما جيدا في المدرسة المحلية حيث تعلم اللاتينية واليونانية، وحصل شكسبير قدرا كبيرا من المعلومات التاريخية، سواء في المدرسة أو في منزله. وفي عام ،1582 تزوج شكسبير آن هاثاوي، وهي إحدى فتيات سترات فورد، وكانت تكبره بثماني سنوات. وقـد أنجبا ثلاثة أطفال، بنتاً سمياها سوزانا، وتوأمين هما هانيت وجوديت.
وفي تلك الفترة، كشف بعض الغموض الذي يكتنف حياته عن طريق قصة مشهورة، وإن لم تكن مؤكدة، مفادها انه نزح إلى لندن هربا، بعدما سرق غزالا من الغابة المتاخمة للقرية.
ومهما يكن الدافع وراء انتقال شكسبير إلى لندن، فانه وصلها في عام ،1587 ولم تكد تمضي سنتان على وصوله (1589) حتى أصبح مالكا لمسرح BLACKFRIARS. إما عن مهنته السابقة، فهي غير معروفة على وجه التأكيد، شأنها في ذلك شأن كل ما يتعلق به. لكن من المحتمل انه كان يعمل في التدريس.
ولم يمض عليه وقت طويل، حتى كان قد كرّس نفسه للمسرح. ولعل أول وظيفة شغلها كانت وظيفة ممثل، ومما لا شك فيه إن التأليف المسرحي في بداية أمره كان خاضعا لمهنة التمثيل الشاقة. ولكن شهرة شكسبير كمؤلف مسرحي في عام ،1592 كانت كافية بعدما ظهرت الطبعة الأولى من احد مؤلفاته (قصيدة فينوس وادونيس).
وفي عام ،1594 أخذت مسرحياته تنشر بانتظام، وكان ذلك هو العام الذي أصبح فيه عضوا بارزا في إحدى الفرق التمثيلية المعروفة باسم فرقة رجال اللورد تشامبرلين. وهي الفرقة التي كتب لها معظم مسرحياته.
وفي عام 1597 بلغ من النجاح حدا مكّنه من شراء منزل ضخم في سترات فورد يعرف بـ"المنزل الجديد". وفي العام التالي أصبح شريكا في ملكية مسرح GLOBE THEATRE لعرض مسرحياته. وفي عام ،1612 استقر في سترات فورد، وامضي السنوات الأخيرة من حياته في محاولات متقطعة للتأليف، إلى أن توفى في عام ،1616 وهو بعد في الثانية والخمسين من عمره... ولم يكن له ذرية أحياء.
لا يمكن وصف الوضع المالي لشكسبير بالثراء الفاحش، أو البؤس. إما كيف أمكن مثل هذا الرجل الذي يبدو طبيعيا للغاية، إن يستكشف عبر مسرحياته كل تلك الجوانب من العواطف الإنسانية، من انفعالات المآسي العميقة، إلى الفكاهة الشعبية في مسرحياته الهزلية، فهو أمر ليس بأقل بعثا للحيرة مما يحيط بشخصيته.
وبقدر ما كانت حياته العامة عادية، كان يدرك كل ما يمكن إن تنطوي عليه أخلاق البشر من سمات. لقد كتب شكسبير ما لا يقل عن 154 قصيدة غنائية. وبعض هذه القصائد الغزلية كتبها إلى "الجمال الأسود"، وهي شخصية قد تكون إحدى غراميات شكسبير من جانبه فحسب. وفي عصر كانت اللغة الانكليزية في أوج ازدهارها، اكتشف فيها شكسبير آفاقا جديدة من الجمال الشعري.
فأسلوب جولييت السلس، والبرود المتعالي في أسلوب الملك لير، يسموان كثيرا فوق مستوى أسلوب الحديث العادي. ومسرحية "العاصفة" تتضمن الكثير من الفقرات الرائعة، بخلاف حديث بروسبير القائل: "إن القباب التي تعلوها السحب، والقصور الفاخرة... والمعابد المهيبة، والكرة الأرضية العظيمة نفسها... اجل وكل ما خلقته، سوف يتلاشى، وهي مثل هذا البهاء الزائف سوف تذبل ولا تترك وراءها أثرا. هكذا خلقنا، كأننا أطياف أحلام، وحياتنا القصيرة يكتنفها الكرى...".
إما شكسبير المؤلف المسرحي، فيكاد يكون كاملا. التلاحم بين شخصياته محدد وواضح، وإحساسه بالزمن والنتائج رائع. وأننا لنجد مشاهد المسرحية تنتقل انتقالا سريعا من قارة إلى أخرى (كما في مسرحية انطونيو وكليوباترا)، دون إن يفقد المشاهدون الإحساس بتتابع الإحداث، أو يبتعدون عن ملاحقتها.
ان عبقرية شكسبير تتجلى في اروع مظاهرها في شخصياته. والأدوار الثانوية، مثل بولينيوس Polinius ومركوشيو Mercutio واينوباربوس Enobarbus وجاك Jacques تبرز شخصيات ظلت تجذب إليها المشاهدين طيلة قرون. إما المهرجون والمغفلون ومنهم بوطوم Bottom، وفالستاف Falstaff اللذان كان في استطاعتهما إن يتكلما بأكثر مما حدد لهما، فقد كانا قادرين على استدرار ضحكات مشاهديهما، بنكاتهما ذات الطابع المختلف.
ولا مغالاة في إن جميع المشاهدين يشعرون بالتأثر العميق لمواقف هاملت، وماكبث وتعطيل ولير، وهم ينغمسون في الكوارث، في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها "مآس شكسبيرية". ولكن الناحية الأقرب إلى المأساة تكمن في إن ترديهم هذا، كان ناتجا من انحرافات في أخلاقهم نفسها.
إن في شخصيات شكسبير من التعقيد وفي الوقت نفسه من الإقناع، لدرجة إن النقاد لا يترددون في مناقشة دوافعها الحقيقية، كلما كان هناك مجال للنقد الأدبي الجاد.
و نظرا لعبقرية شكسبير ومنجزاته وذيوع صيته فيبدو من الغريب أن أسمه لم يصنف مع المائة الأوائل وهذا ليس استهانة بمنجزاته ولكن نظرا لان الشخصيات الأدبية والفنية على العموم لا تملك تأثيراً كبيراً على التاريخ البشري.
فنشاط الزعماء الدينيين والعلماء السياسيين والمكتشفين والفلاسفة أو المخترعين غالبا ما تؤثر في تطورات الحياة البشرية في مختلف المجالات.
فالتقدم العلمي مثلا كان له تأثيره الواضح على المشاكل السياسية والاقتصادية وقد أثر أيضا على المعتقدات الدينية والمواقف الفلسفية وتطور الفنون.
ولكن يبدو أن شكسبير هو المبرز بين الشخصيات الأدبية دون منازع فقليل من الناس في هذه الأيام يقرؤون شوسر وفرجيل وحتى هوميروس ولكن في أي حفلة مسرحية لإحدى روايات شكسبير يحضرها الكثيرون وغالبا ما يقتبس من أقوال شكسبير من قبل أشخاص لم يقرؤوا أو يروا مسرحياته.
فمسرحياته قد سببت السرور والمتعة لكثير من القراء والمشاهدين خلال أربعة قرون تقريباً ومن المنتظر أن تظل أعماله مألوفة من قبل الناس لعدة قرون نائية.
ومع أن شكسبير قد كتب باللغة الإنكليزية إلا أنه كان شخصية معروفة عالمياً وقد ترجمت معظم أعماله بشكل واسع وقرئت مسرحياته ومثلت في عدد كبير من الأقطار.